[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]المرضي العقليون والنفسيون هل يجب عليهم صيام رمضان ؟ مشكلة صيام المرضى النفسيين والعقليين، مشكلة لها أبعادها وذلك نظراً لاختلاف الأمراض النفسية والعقلية، اختلافاً كبيراً. وقد سمعت في أحد الإذاعات سؤالاً حول صيام المرضى النفسيين والعقليين. الحقيقة كان فضيلة الشيخ الذي يُجيب على الاسئلة حكيماً في إجاباته وقال إن الأطباء النفسيين الذين يُعالجون هؤلاء المرضى إذا كانوا مسلمين ثقاة فهم الذين يحكمون وينصحون المريض بما هو أصلح لهم ومدى قدرتهم على الصيام من عدمه. لذلك رأيت بأن هذه القضية مهمة للكثيرين من المرضى ولأهل المرضى الذين لا يعرفون ماهية هذه الأمراض في كثير من الأحيان ولا يستطيعون معرفة مرض قريبهم ومدى قدرته على الصلاة والصيام.
المرفوع عنهم القلم: كما أسلفت فإن الأمراض النفسية والعقلية تختلف اختلافاً كبيراً جداً فيما بينها. هناك الأمراض البسيطة ولكن هناك الأمراض الصعبة والتي تؤثر بشكلٍ كبير على حياة الإنسان وتجعله غير قادر على القيام بأي عملٍ كان. إضافةً إلى ذلك فإن هذه الأمراض من الأمراض التي رُفع القلم عمَّن يُصاب بها. أشهر هذه الأمراض العقلية الصعبة والتي رُفع القلم عن من يُصاب بها هو مرض الفُصام، خاصةً إذا كان المرض نشطاً، والأعراض الذهانية مثل الهلاوس أو الضلالات موجودة. مثل هؤلاء المرضى لا تجب عليهم الصلاة أو الصيام نظراً لطبيعة مرضهم الذي يفقدهم التفريق بين الحقيقي والخيالي والواقع وغيره. لذلك فمرضى الفُصام لا يستطيعون الصيام. للآسف كثير من الأهل لا يعرفون طبيعة هذا المرض الخطير الذي لا يجعل الشخص يقوم بواجباته الدينية مثل الصلاة والصيام. فكثيراً ما يشكو الأهل من أن ابنهم المُصاب بالفُصام لا يصلي ويطلبون منّا أن نطلب منه أن يقوم بأداء صلاته وعندما نشرح لهم بأن هذا المرض يجعل الشخص غير عارف ومُدرك لأمور الحياة بصفةٍ عامة، ولا يستطيع تدبير أمور نفسه، بل على العكس فهو بحاجةٍ إلى من ينتبه له ويُصرف له أموره الحياتية حتى البسيطة. وغالباً يكون مرضى الفُصام في حالة نشاط المرض يستخدمون أدويةٍ من أعراضها الجانبية تخدير المريض وينام ساعاتٍ طويلة وهذا يجعله لا يستطيع أن يواظب على الصلاة وكذلك لا يستطيع الصيام. يجب أن يفهم الأهل والمجتمع بأن الشخص والذي يرونه امامهم بصحة بدنية جيدة لا يعني ذلك بأنه قادر على الصيام. وحتى عندما يتطور مرض الفُصام ويصبح فصاماً مزمناً وتكون الأعراض السلبية هي السائدة، مثل الانعزال عن الآخرين وإهماله لنظافته الشخصية ويحتاج لشخصٍ يقوم برعايته، فإنه في هذه الحالة أيضاً لا يستطيع أن يصوم أو يُصلي وإذا وصل هذه المرحلة من المرض فإنه في غالب الأحوال سوف يستخدم أدوية مضادة للفُصام المُزمن، وغالباً هذه الأدوية تكون عبارة عن حُقن طويلة المفعول يتعطاها المريض كل أسبوعين أو ثلاثة أسابيع أو أربعة أسابيع. وهذه الحقن تُنهك الجسم في كثير من الأحيان وتجعله خاملا إلى حدٍ ما، ولا يستطيع القيام بأعمال تتطلب مجهودا أو تركيزا. لذلك فإن مرضى الفُصام العقلي لا يستطيعون الصيام أو الصلاة أو بقية الفرائض الدينية الأخرى من العبادات المكتوبة على المسلم أن يقوم بها. وهذه نقطة مهمة يجب على الأهل على وجه الخصوص والأقارب والأشخاص المُحيطين به حتى يعرفوا كيف يتعاملون مع مريض الفُصام وللأسف هذا ما يجهله الكثيرون من أهل وأقارب المريض بالفُصام والمحيطين به.
الاضطراب الوجداني ثنائي القطب المرض الآخر والذي أيضاً قد لا يستطيع الشخص الذي يُعاني منه هو الاضطراب الوجداني ثنائي القطب. على وجه الخصوص إذا كان المريض في نوبة هوس، ففي هذه الحالة لا يستطيع المريض أن يصوم أو حتى يُصليّ لأنه لا يكون في حالة عقلية سليمة وليس مسؤولا عما يفعله. غالباً ما تكون نوبات الهوس حادة، ويكون المريض مضطرب التفكير بل ربما يكون يُعاني من ضلالات عظيمة يدّعي فيها المريض بأنه شخص مهم جداً وقد يدّعي بأنه نبي أو أن الله قد خصّه برسالة من عنده ليُبلغّها إلى الناس. في هذه الحالة فإن الشخص لا يستطيع الصوم نظراً لحالته العقلية المُختلة في تلك الفترة، وكذلك فإن مثل هؤلاء المرضى يتعاطون أدوية مضادة للذُهان وتُسبّب هذه الأدوية كما أسلفنا تُسبّب خمولاً للمريض وكثرة نوم وهذا أيضاً لا يُساعده على أن يؤدي الصلاة في أوقاتها أو حتى في غير أوقاتها لأنه لا يعقل ماهو الصيام والصلاة أو إنه بسبب هذه الأعراض لا يستطيع الصيام أثناء نوبات الهوس، وربما قام بأفعال تُثير حُنق الآخرين وهو بذلك لا يقصد هذا الأمر ولكن نظراً لطبيعة المرض الخطير الذي يُعاني منه. وللاسف فإن مرض الاضطراب الوجداني ثُنائي القطب منُتشر بصورةٍ كبيرةٍ إلى حدٍ ما في مجتمعاتنا، وتلعب الوراثة دوراً مهماً في هذه الأمراض من حيث الإصابة بها، حيث يلعب العامل الوراثي حوالي 06% من الإصابة بهذا المرض العضال. وأيضاً يتناول بعض مرضى الاضطراب الوجداني ثُنائي القطب أدوية تُعرف بالأدوية المُثبته للمزاج، ولعل أشهر هذه الأدوية هو ملح الليثيوم، ويجب على من يتناول هذا العلاج أن لا يصوم لأن ذلك قد يقود إلى فشل كلوي. وقد مرّ عليّ خلال عملي أكثر من شخص كانوا يتناولون الليثيوم وأصيبوا بفشل كلوي حاد نتيجة الصيام، لأن الليثيوم يحتاج إلى أن يشرب الشخص الذي يتناوله ماء بشكلٍ كبير. وكانت هذه السيدة العجوز التي تتجاوز السبعين من عمرها تُصر على الصيام مما أدى إلى إصابتها بالفشل الكلوي الحاد وتم علاجها وكذلك شخصُ آخر حصل معه نفس الأمر، لذلك ننصح المرضى الذي يُعانون من الاضطراب الوجداني ثنُائي القطب والذين يتناولون ملح الليثيوم بعدم الصيام ومناقشة هذا الأمر مع الاطباء الذين يُعالجونهم، لكن يجب توخي أشد الحذر في الصيام مع تناول علاج الليثيوم، ورغم أن الليثيوم من أفضل الأدوية المُثبة للمزاج، ولكن الآن ظهرت أدوية حديثة لها نفس المفعول مثل الليثيوم وأعراضها الجانبية أقل. قد يكون المريض ليس في نوبة هوس ولكن إذا كان يتناول علاج الليثيوم فعليه توخي الحذر خاصةً إذا كان الشخص في حالة استقرار نفسي وعقلي، فله الحق أن يُناقش مع طبيبه المُعالج موضوع صومه ولكن يجب إيقاف اللثيوم فترة الصيام لأن لعلاج الليثيوم أعراض آخرى مثل التأثير على الغدة الدرقية ولكن أهم أمر في الصيام وتناول علاج الليثيوم هو التأثير على الكلى واحتمال التأثير الجاد الذي قد يُسبّب الفشل الكلوي الحاد كما أشرت للمريضين اللذين ذكرت حالتهما في اصابتهما بفشل كلوي حاد نتيجة الصيام واستخدام الليثيوم. كذلك فإن مرضى الاضطراب الوجداني ثُنائي القطب قد يستخدمون ألأدوية المُخدّرة والتي تُسبب عدم قدرتهم على التركيز حتى أثناء استقرار حالتهم العقلية والنفسية لأن استخدام الأدوية المضادة للذهان تسُاعد على استقرار حالة المريض بهذا الاضطراب، وهذه الأدوية التي ذكرتها في بداية المقال تُسبّب الخمول والنوم الكثير وفقدان القدرة على التركيز.
إن مرضى الاضطراب الوجداني ثُنائي القطب قد يُصابون بالوجه الآخر، وهو الاكتئاب الشديد. وفي حالة الاكتئاب الشديد فإنه يُفضّل أن لا يصوم المريض لأن استخدام أدوية مضادة للاكتئاب لها أعراض جانبية،قد تتعارض مع الصيام. إضافةً إلى ذلك فإن مرض الإكتئاب مريض مؤلم والشخص يكون فاقداً للشهية والصيام قد يُزيد تأثير اختلال المواد المعدنية في الجسم مما قد يؤدي إلى مشاكل لا تُحمد عقباها. لذلك فإن المرضى المصابين بالاكتئاب الشديد يُفضّل أن يُناقشوا موضوع صيامهم مع طبيبهم المُعالج، ويُفضّل عدم صيام مرضى الاكتئاب الشديد، لأن الدين يُسر ولن يُشاد احداً هذا الدين إلا غلبه. فالصيام رغم انه ركن من أركان الإسلام إلا أن الأمراض النفسية والعقلية قد تتعارض مع الصيام، وهناك أمور كثيرة لتعويض الصيام، حسب نوع المرض وهل يرجئ برأه أم لا.
بوجهٍ عام فإن المرضى النفسيين والعقليين قد يكون الكثير منهم لا يجب عليهم الصيام خاصةً المرضى الذين يُعانون من اضطرابات عقلية، تجعل الشخص لا يعرف ماهو الصوم وماهي الصلاة، فهؤلاء من المرفوع عنهم القلم لأنه إذا أخذ من وهب أسقط ما وجب، ولأن العلق هو أساس كل شيء في حياة الإنسان فإن المرضى الذين يُعانون من هذه الأمراض العقلية يسقط عنهم الصوم. المشكلة بأن الكثيرين من الأشخاص لا يعرفون الأمراض العقلية والنفسية، وهؤلاء قد يلومون المريض النفسي أوالمريض العقلي لأن محدودية معلوماتهم في الأمراض النفسية والعقلية قليلة ولا تستطيع أن تلومهم لأنهم لا يملكون المعلومات الكافية عن هذه الأمراض وما تأثير هذه الأمراض على الفرد المُصاب بهذه الأمراض.
التأثيرعلى حياتهم ووظائفهم تكلمنّا عن الأمراض التي لا يجب على من يُعاني منها من عدم قدرته على الصيام. لكنء ثمة أشخاص يُعانون من اضطرابات خفيقة ولكنها قد تؤثرعلى حياتهم ووظائفهم. فمثلاً مريض الوسواس القهري الذي لو توقّف عن تناول علاجه بصورة معينة في أوقاتٍ مختلفة، فهذا الأمر يجب مناقشته بشكلٍ جاد مع الطبيب المعالج وكذلك يجب على المريض أن يقيّم مدى قدرته على الصيام وانتكاسة المرض عنده. وهذا أمر في غاية الأهمية ويجب أن يوضع صحة المريض في الأولوية، وإذا كان لا يستطيع الصوم فإنه لا يسقط عنه، ويستطيع قضاء الأيام التي أفطرها في وقتٍ تكون حالته النفسية والعقلية بشكلٍ أفضل، وكذلك يستطيع أن ينقل رأي طبيبه إلى عالم دين ضليع في الفقه ليُفتيه في هذا الأمر. مرض آخر مثل اضطراب الهلع وهنا المشكلة بأن مرض الهلع أو اضطرابات الهلع قد تُهاجم الشخص دون أي مقدمات. ويجب على المريض بهذا الاضطراب أن يتناول علاجا مُعينا لتهدئة نوبة الهلع. في هذه الحالة، فالشخص هو الأقدر على الحكم من حيث الصيام من عدمه. فإذا أصيب الشخص أثناء النهار بنوبة هلع فإن له الحق بأن يستخدم العلاج الذي يهدئ نوبة الهلع ولكن لا يفطر تلقائياً يومياً خشية أن يُصاب بنوبة هلع، ولكن إذا فعلاً تعرض إلى نوبة هلع فإنه يستطيع أخذ العلاج لتهدئة النوبة ويقوم بقضاء هذا اليوم الذي افطره، لأن هذا المرض يأتي في نوبات وقد يأتيه مثلاً مرة في الأسبوع أو مرة في اليوم أو مرة في الشهر، لذلك على مثل هؤلاء المرضى الذين يُعانون من أضطرابات الوسواس القهري واضطرابات الهلع أو اضطرابات القلق الآخرى أن يفطروا إذا اضُطروا لذلك لكن عليهم أن يقضوا الأيام التي أفطروها، وذلك عكس المرضى العقليين مثل مرضى الفصام الذين لا يستطيعون قضاء الأيام التي أفطروها نظراً لأن أمراضهم مُزمنة في أغلب الأمر.